إقحام اسم الله فى السياسة كان بداية الفتنة الكبرى فى تاريخ الإسلام عندما قال ذو النورين عثمان بن عفان رداً على من طالبوه بترك الحكم وأقسم أمامهم أنه لن يخلع رداء «سربلنيه الله» أى ألبسنيه الله، وكانت هذه هى فكرة الحكم الإلهى التى أثارت حفيظة الثوار، بدأ بعد هذه الجملة الخطيرة نزيف الدم وصراع المصالح فى تاريخ المسلمين، وهذا ما كان يدركه السياسى العبقرى المحنك مصطفى النحاس الذى رفض الشعارات التى قدمها المناضل أحمد حسين لحزبه وهى «الله، الملك، الوطن»، واعتبرها النحاس خلطاً متعمداً وتزييفاً منظماً لوعى الناس، وبالطبع تصيدتها ميليشيات الإخوان عندما ذكرت فى حديثى تعليق النحاس وتساؤلاته ورغبته فى عدم إقحام الله فى السياسة، وقالوا إنها تتطاول على الله وكفرونا وتصرفوا بسياسة فرد الملاية فى خناقات الحارات الشعبية!!

وتناسوا ما قلته فى الحلقة عن خوفى على الدين المقدس من دنس السياسة، وتناسوا أن الله ليس إله الإخوان فقط، إنه إلهنا جميعاً، يحنو علينا جميعاً، ويعرف نياتنا ومقاصدنا، ويعرف جيداً أن مَن تطاول عليه هو مَن يقسم باسمه كذباً أمام المشاهدين وليس مَن يخشى على قداسته وجلاله وينزهه عن دم ومؤامرات ودسائس السياسة، مَن تطاول هو من شبه نفسه بالرسول الذى كذبوه وقالوا عنه «ساحر» ومنح نفسه حق التكفير لعباد الله ذات اليمين وذات اليسار.

«قاتل الله السياسة.. التى تضطر الرجل الشريف لأن يلف فيرائى ويتناقض ويخادع وينكر الحقائق الواضحة على رؤوس الأشهاد، وهو يعلم أنه يتكلم بصفة رسمية فى مجلس يمثل أمة، وأن كلامه سينقل لينشر فى كل أرجاء المعمورة، وليقرأه الناس جميعا مهما تباعدت ديارهم، ومع هذا كله تضطره السياسة أن يقول غير الحق.. ألا قاتل الله السياسة التى تجعل من الرجل الشريف مخادعا دوليا، وُمرائيا رسميا، وفى أدق المواقف وأحرج الساعات»، هل يعرف الإخوانيون مَن هو قائل هذه الجملة.. إنه المرشد حسن البنا الذى ظل القطب الإخوانى يستشهد بكلامه ولا يستشهد بكلمة واحدة من كلمات الرسول!!

ومادام حسن البنا هو المصدر الرسمى للإسلام عند الإخوان فأحب أن أطمئن ميليشيات الإخوان أنها كلمة لحسن البنا من جريدة «الإخوان المسلمين» فى العدد الصادر فى ٢٦ أكتوبر سنة ١٩٤٦، وإذا أردتم إقحام الله فى السياسة التى يقاتلها الله من وجهة نظر حسن البنا، فأرجوكم معشر الإخوان حلوا لنا هذه المعضلة وفكوا لنا هذا اللغز! كيف نقحم الله فيما هو مقاتَل – بفتح التاء - وملعون منه وهو السياسة كما قال الإمام محمد عبده «لعن الله ساس ويسوس»!!

وإذا أردتم إقحام الله فى السياسة معشر الإخوانجية الكرام فهل أنتم مع رأى إخوانكم السلفيين الذين تبنوا شعار إقحام الله فى السياسة ونظرية الحكم الإلهى، فلم يثوروا ضد مبارك لأن مبارك من وجهة نظرهم اختيار إلهى وحتى لو كان إماماً جائراً، فعلينا طاعته وإن ضرب ظهورنا وسرق أموالنا؟!

أرجو من ميليشيات الإخوان أن تطمئن، صكوك الإيمان لا تباع فى مقر الإرشاد، والجنة ليست أبعادية إخوانية أو عزبة يمتلكها المرشد حتى توزعوها على من ترغبون وتمنعوها عمن تكرهون، والدين ليس لغة سرية لا يجيد ترجمتها الفورية إلا مكتب الإرشاد، ليس من حقكم شق الصدور والبحث فى النيات، الله وحده هو الأعلم بالنيات، وهو الذى سيحاسبنا على ما اقترفنا فى حق أنفسنا وحق أوطاننا.